مراجعة كتاب: قصة حياة - ابراهيم المازني

 استوقفتني العديد من المشاهد والذكريات مما سرده الأديب المازني في مذكراته هذه، منها قصة أخو جدته (في الصفحة 42) الذي كان يمشي دائمًا ولا يركب، وكان عارفًا بالله وأبوه أعرف منه، وحين كان عندهم انتفض فجأة وقال أن أباه يناديه، فرحل مسافرا إليه، وفي الجهة الأخرى كان الأب في ساعاته الأخيرة، فانتفض جالسا وصاح باسم ابنه، فوقع الصوت في قلب الابن على بعد مئات الكيلومترات، وهذه شهادة من شخص محايد لبعض الكرامات التي تحصل لأولياء الله الصالحين.

تحدث المازني عن طفولته، عن أبيه وأمه وجدته، عن منزله وقصص الطفولة والشباب، وهو يسرد فلا تمل من سرده، ويتنقل بين المواضيع بخفة ورشاقة، يحكي لك الأحداث فإن أحس بالملل يدب فيك سارع بإلقاء نكتة طريفة أو عبرة لطيفة، وكلها مما تجود به ذاكرته من أحداث حياته.

الكتاب قصة حياة وهو شهادة لواقع عالَم قد انقضى، الحياة والناس والمكان، نُبذٌ متفرقة بين السطور والصفحات.

يتضح من هذه الذكريات أن الشاب ابراهيم كان تواقًا مشاغبًا، وكانت له قصص ومغامرات غرامية كثيرة، أما أبوه فقد كان رجل شرقي نمطي، تزوج عدة مرات وكانت نهايته على يد الأخيرة، وكانت الأسرة في رغد إلى أن توفى الأب، فانتقلت من اليسر إلى العسر، وضاقت الحياة على الشاب وأسرته.

يستمر المؤلف بسرد قصة حياته، فهو بعد التعليم قد اشتغل بالتدريس، ثم تزوج، ثم ماتت زوجته، ويذكر لنا بألم ومراره السبب الرئيسي لموت زوجته وهو الطبيب المعالج الذي أتى ليولدها، وقد كان أجنبيًا وقام بعمله وهو سكران، وقد كانت هذه الفقرة من أصعب الفقرات على الكاتب والقارئ، لحظات إنسانية مؤثرة ومؤلمة، فقد مات الجنين وماتت الأم ويدها في يد زوجها في ليلٍ بهيم، ماتت ببطئ والزوج يعلم ذلك ويحاول عدم إظهار معرفته بذلك، وكانت هذه الحادثة محطة فارقة في حياة المازني.

يظهر الحزن والوحدة في آخر الكتاب، فقد أصبح المازني غير محب للخلطة في الثلث الأخير من حياته، وأصبح يشتكي من النسيان، ومن الأشياء الطريفة أن العقاد بعث له بورقة فيها أسماء معشوقاته وكان عددهن 17، كما أنه -بحسب كلامه- كان يشرب الخمر، والعلاقة عندي واضحة بين التيه الذي يصل إليه الإنسان في آخر حياته وبين حياة اللهو التي اختارها لنفسه.

وهنا أتساءل: هل كانت حادثة موت زوجته رسالة محورها (الخمر) وكيف أن الشريعة أتت في صالح البشر، كي تحمي حيواتهم وتصون أعراضهم، وأن تحريم الخمر أمر منطقي له أسبابه، هل استفاد المازني من هذا الدرس القاسي وهل ساهم بقلمه في (تسويق) شريعة الإسلام بصفتها المنقذة للبشر من شر أنفسهم، شريعة من شأنها أن تحمي والدة وولدها من الموت على يد طبيب سكران ؟ الله أعلم.

.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب/ قصص من الحياة - علي الطنطاوي

مراجعة كتاب/ أنا قادم أيها الضوء

مراجعة كتاب/ حياة الذاكرين - عمرو خالد