مراجعة كتاب/ عاشوا في خيالي - عبدالوهاب مطاوع

 جميلة هي كتب عبدالوهاب مطاوع، خفيفة لا تتطلب قدر عالي من التركيز أو ظروفًا خاصة لأجل الاستيعاب، وقد أعجنبي هذا الكتاب لأنه عرفني على كتب أخرى، فقد قمت بسببه بقراءة كتابين اثنين وتعرفت على الكاتب الأديب (يحي حقي) بسببه، والكتاب هو مقالات منفصلة تدور حول كتب أو أفلام أو قصص، وذلك مما عشعش في خيال الكاتب، والمقالات هي كالتالي:

(1) مقالة عن فلم فورست قمب Forrest Gump، وقد لخص الكاتب الفلم في عدة صفحات، لكني كنت قد رأيت الفلم فلم أستمتع كثيرا بالمقالة، كذلك هي لمن لم يشاهد الفلم حرقًا وتضييعًا للمتعة، لكن هذه هي عادة المؤلف حين يحب قصة أو فلم؛ يفردها لك بكلماته ثم يضيف عليها بعض التوابل من آرائه ونقده.

لكن المؤلف قد لفت نظري لمشهد في الفلم ودلالته العميقة، وهو مشهد الريشة التي ظهرت في أول الفلم وكانت تتقاذفها الرياح يمنة ويسرة، فقال أن هذا تعبيرٌ عن الحياة والأقدار، فالإنسان كالريشة في مهب القدر، تتقاذفه الأقدار والأحداث، صحيح أنه يحاول تحديد وجهته أو (كما يقولون) يصنع قدره، لكن في نهاية الأمر (الله غالب على أمره)، والفلم يدور حول هذه القضية، كيف أن الإنسان الذي يريد أن يصل قد لا يصل، وذلك المسكين الذي ترك لنفسه المضي في بحر القدر، وصل وحقق الكثير مما يحلم به أولو العزم والهمة.

(2) المعطف: وفيها تلخيص لقصة قصيرة اسمها (الحرباء) من تأليف (أنطون تشيكوف) وقد قام بتلخيص القصة بطريقة جميلة وأضاف إليها من كلماته وتعليقاته، وهي قصة تلخص تلون بعض الناس مثل الحرباء مع كل موقف وكل شخص، بحسب ما تمليه المصلحة، وفيها نكهة من السخرية والتهكم.

(3) سهرة مع عبقري: يتحدث فيها عن بيرم التونسي وعن شخصيته الغريبة، وفعلا  تعرفت على جانب كنت أجهله من هذه الشخصية التي لم أكن عرف سوى اسمها، تعرفت على الجانب السلبي من شخصيته، وبسبب هذه المقالة تعرفت على أديب وكاتب لم أقرأ له من قبل، هو (يحي حقي) فقد ذكر الكاتب اسم أحد كتبه (كناسة الدكان) مقتبسًا منها مقالة تدور حول بيرم التونسي.

ثم تلا ذلك ثلاث مقالات عن كتاب (الفاجوم) والذي هو سيرة ذاتية للفنان أحمد فؤاد نجم، فقد أعرب المؤلف عن اعجابه الشديد بهذا الكتاب، فقام بتلخيصه كاملاً بأسلوبه السلسل في ثلاث مقالات متتالية، وقد انتهى بي المطاف إلى قراءة الكتاب بعد انتهائي من هذا.

وفي مقالة بعنوان (عاشق الحياة) يتحدث المؤلف عن شخصية الموسيقي المصري ذائع الصيت في زمانه (زكريا أحمد) وعن بعض جوانب حياته التي تحتوي على قدر كبير من البساطة والتواضع، وبعض المواقف مع أصدقائه وأحبابه مما يعجب لها الإنسان، وعن خلافه مع ام كلثوم وغيرها من الأحداث، وقد أعرب المؤلف عن اعجابه الشديد وحبه لزكريا أحمد (رحمهم الله جميعا).

في مقالتين بعنوان (هم وآباؤهم) يتحدث عن مقتطفات من السير الذاتية، وخاصة تلك التي تحتوي على قدر كبير من الصراحة والشفافية، وكيف تم وصف الآباء والأمهات في تلك السير، فتحدث عن سيرة توفيق الحكيم وعن  أسرته وأبويه (من كتاب سجن العمر) وحكى لنا بعض المواقف الطريفة من الكتاب، ، ثم في مقالة عن كتاب (أوراق العمر) والذي هو سيرة ذاتية كتبها لويس عوض، وقد ركز المؤلف عن الصراحة التي في الكتاب عن عائلته وعن نفسه.

بعدها تلخيصًا لفلم أمريكي يدور حول الحب والخيانة، ومقتبس من قصة حقيقية دارت في القرن الثامن عشر.

ثم مقالة جميلة عن عذاب المبدعين، تطرق فيها لعدة كتاب ومبدعين، عن جوانب من حياتهم التعيسة، فتحدث عن فيدور ديستوفيكس، وعن (جوته) وحياته المليئة بالآلام، ثم عن (صمويل جونسون)، وعن الروائي الياباني (يوكيو ميشيما) وعن فرانز كافكا، وجبران خليل جبران، والرسام الفرنسي (بول سيزان)، ونجيب محفوظ، وشارلي شابلن، وعن أنيس منصور.

ثم مقالة من ثلاثة أجزاء عن سيرة ذاتية جريئة وبذيئة لأحد الكتاب المغاربة، والمقالات تلخص ذلك الكاتب وتستغرب من تلك الحياة التي عاشها صاحبها، ثم يتساءل الكاتب: ما الفائدة من نشر مثل هذا الكتاب؟

مقالة (خائف من الأمل) ملخص رواية تصف حال شاب مريض بالسرطان وحبه الأخير، ثم مقالة (طعام الأحزان) وفيها ملخص لرواية حزينة تترك أثرا عميقًا في نفس القارئ، فيحكي عنها الكاتب بلغة رقيقة وشاعرية، إنها رواية (ترانيم في ظل تمارا) لـ (محمد عفيفي) ، وأخيرا مقالة لم ترقني فيها تلخصيًا لرواية (خريف امرأة امريكية).


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب/ قصص من الحياة - علي الطنطاوي

صورة
قرأت كاتبًا سابًقا للشيخ علي الطنطاوي وقد أعجبت بموهبته في كتابة المقالات، كانت لغته سلسة عذبة، ولم يكن يتعمد التصعيب رغم قدرته، وقد عرفت ذلك من مقالة أو اثنتين كتبها من باب التندر، فظهرت فيها الكلمات الفصحى القديمة والعبارات التراثية الأصيلة، فصعبت علي القراءة وتعسرت، ثم خرجت منها وقد تعبت من عثراتي المتكررة، فإذا بي أعود إلى سهولة المقال وعذوبة الأسلوب، وقد كانت تلك تجربتي في كتاب (صور وخواطر). ثم قرأت هذا الكتاب (قصص من الحياة) فاكتشفت فيه علي الطنطاوي (القاص) صاحب الخيال الخصب والأسلوب الأدبي الرصين، لقد احتوى الكتاب على العديد من القصص القصيرة والتي نشرها في سنوات متقاربة في مجلة الرسالة ومجلات أخرى، وقد سمّى الكتاب (قصص من الحياة) أي أن أمثال هذه القصص يتكرر في الحياة، لكنه أضاف بعض اللمسات الفنية وجمّلها ببعض الأحداث العرَضية، فخرجت القصص مشوقة ومعبرة في نفس الوقت، أي أن أغلب القصص هي مما ينطوي على عبرة جلية أو موعظة خفية. معظم القصص تنتهي بنهايات غير سعيدة، وبعضها مؤلم، وأعتقد أن هذا مقصود من قبل المؤلف من أجل أن يوصل فكرة أو يسلط الضوء على مشكلة، وهنالك بعض القصص الرومانسية ال...
قراءة المزيد

مراجعة كتاب/ أنا قادم أيها الضوء

صورة
كم أثر فيّ هذا الكتاب، كم حزنت لآلام كاتبه، لكن عزائي أنها قد انتهت، وأصبحت رصيدًا في كتاب حسناته، إنه كتاب (أنا قادم أيها الضوء) للصحفي الموهوب (محمد أبو الغيط) رحمه الله، كتبه في فترة حياته الأخيرة بعد أن أصيب بسرطان المعدة، أودع لنا فيه حياته وأفكاره وآلامه، تنقّل عبر لغته الرشيقة بين الخاص (من حياته وأفكاره) والعام (من الأحداث والمواقف)، بين الماضي والحاضر، لقد كان أول كتاب أقرأه بأذناي (عبر تطبيق اقرأ لي) بدأت أول فصل فما تمكنت من إفلاته، صرت أتحين الخروج من المنزل حتى أضع السماعة وأغوص في عالم محمد عبر كلماته، فصرت أتجول في شوارع المدينة أشاهد الحياة غضة طرية وأسمعها وهي تبخل لمحمد، أرى الصحة تدب في أجساد الكبار والصغار، وأسمعها وهي تشح أن تعطي محمد. كنت أشبّه الكِتاب سابقًا كمتعلقات شخصٍ دفعهُ صاحبهُ نحو الماء فألقى -في آخر لحظة- هاتفه ومحفظته حتى لا تبتل، يلقى أشياءً يريدها أن تبقى بعد رحيله، وقد تحقق هذا التشبيه في حالة محمد أبو الغيط، فهو فعلا ألقى لنا بجزء منه قبل الرحيل، ألقى لنا أفكاره ومشاعره وآلامه، حكى لنا عن حياته وعن أسرته وشيء من طفولته، عن زوجته الوفية وعن أيامه الأ...
قراءة المزيد

مراجعة كتاب/ حياة الذاكرين - عمرو خالد

صورة
هذه مراجعة لكتاب ليس الهدف منه إثراء المعرفة الفكرية، أو إمتاع الذائقة الأدبية، وليست الفائدة متوارية مختبئة، بل هي مباشرة واضحة، والكتاب عمليٌ يعطيك الخلاصة والزبدة، فالنفع منه لا يكون بمجرد القراءة بل بالتجربة والتطبيق. قرأت الكتاب لأعرف المزيد عن موضوعٍ ذُقت حلاوة تطبيقه، وتغيرت حياتي بتنفيذه، ذلك هو ذكرُ الله، ذكرُ القلب مع اللسان، الذكر بوصفه نشاطًا أساسيًا في نهار المرء وليله، بوصفه خلوة مع الله تبدأ بها يومك أو تختم بها نهارك، الذكر بوصفه علاجًا يشفي الجروح ويداوي القروح، أكسير يغير طعم الحياة في فمك، كالملح حين يوضع في الطعام، كعدسة تعيد الألوان لمن فقدها في بصره، فيضعها ليرى العالم بألوانه المتنوعه، وجماله الأخّاذ، إنه ذكر الله، الحل الذي يزهد فيه أكثر الناس، العلاج الذي يستخدمه الكثير بطريقة لا تؤدي مفعلوه الخارق. إنّ من يكتشف حقيقة الذكر، ويخوض التجربة بكل متطلباتها، فلا يسعه أن يصمت، فهو يرى من حوله غارقون في بحار التعب، وليس تعب الأجساد فذلك ليس بشيء، بل تعب النفس التي تئن من وطأة الحياة المادية، فغياب الإيمان من حياة الفرد له آثاره المدمرة وإن تأخر ظهورها، وذكرُ الله يجدد...
قراءة المزيد