مراجعة كتاب/ فاتتني صلاة

 هذا أحد الكتب التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، لم أكن أتوقع منه الكثير حين قرأته، لكنه فاق توقعاتي، لقد أفادني الكتاب وأمتعني، وأنا أنصح به وأدعو لقراءته، للمحافظين على صلاتهم أو المقصرين، فهو رفيقٌ مؤنسٌ للفريق الأول، وداعمٌ محفزٌ للفريق الثاني، وإنّ هذا الكتاب لهو أفضل هدية تدفعها لصديقك أو قريبك المتكاسل عن الصلاة، هذه الشعيرة التي تحتل حيزًا كبيرًا في حياة المسلم، التي إن صلحت، صلح قلبه، فصلحت حياته، فكان صالحًا مُصلحًا لمن حوله.

.

الكاتب هو (إسلام جمال) لن تجد عنه الكثير في فضاء الانترنت، كما لن تعرف الكثير من المعلومات عنه في الكتاب، لكن ستعرف الشيء الكثير عن قلبه المفعم بالإيمان، فالكتاب ليس عن الصلاة فقط، بل هو كتابٌ عرفاني، كتابٌ يعرفك على الله ويدعوك لحبه، كتابٌ عملي يعطيك الحلول والأفكار، ليس من أجل المحافظة على الصلاة فحسب، بل من أجل أن تحيا وترتقي وتسمو بالصلاة ، من أجل أن تصبح الصلاة وسيلة تغيير جذرية تقلب كيانك وتبدل أحوالك، فالصلاة هي السلاح الشامل في يد المؤمن، هي هدية الله لنا كي نواجه بها الحياة ونكسب بها الحاضر والمستقبل.

.

يتحدث الكاتب عن عبارة (يومًا ما) فيصفها بأنها (عالَم) أو (جزيرة) يحتمي فيها الكثير من المقصرين، فهم يؤجلين الالتزام بالصلاة إلى ذلك اليوم الذي لا يأتي، فيخصص الكاتب فصلًا كي ينقذ أولئك التعساء من تلك الجزيرة الكئيبة، كي ينطلقوا إلى فضاء الحياة الحقيقية.

.

ثم توجه الكاتب لنقطة هي الأهم في سبيل الإلتزام بالصلاة، ألا وهي (معرفة الله) فمن عرفه أحبه، ومن أحبه تلذذ بمناجاته ودعائه، وهنا تصبح الصلاة قرة عينه ومحط راحته، فالطريق إليها عبر بوابة (معرفة الله) لكن كيف نعرف الله؟ بتلاوة القرآن وتدبره، والاستماع لمن يدلنا عليه ويعرفنا به، وقد ذكر الكاتب عدة شخصيات من العالم العربي ممن ينشرون ويتحدثون عن الله، ونصح بأن يكون للشخص وقت للاستماع لمن يقربنه إلى الله.

.

ثم يمضي الكاتب في سرد الطرق العملية للالتزام بالصلاة، مستعينًا ببعض الأبحاث والنتائج المتعلقة بعلم النفس ومجالات التنمية، فتحدث عن (التوكيدات الإيجابية) وأشار إلى (عدم مشاورة النفس) وذكر (النقطة المرجعية) وشدد على أهمية عنصر (الانضباط) والذي هو (الصفة المعجزة) التي يتشارك فيها الكثير من الناجحين في كل مجالات الدنيا، فقد يقرأ القارئ الكتاب أو يسمع لمقطع ثم يقرر ويعزم، لكن ينقصه الانضباط والجدية، فتنمية هذه الخصلة في حياة الشخص من أهم الأمور لصلاح دينه ودنياه.

.

ثم تحدث عن الدعاء في فصل أسماه (ألك حاجة) والمكان المناسب لطلب الحاجات هو أثناء ملامسة جبهتك للأرض تذللاً وخضوعًا للحي القيوم، وقد أحسن كثيرًا في هذا الفصل، فهو فصل في باب العقيدة والإيمان، الإيمان بالله الذي بيده كل شيء، وكم من مسلم يعتقد ذلك ظاهرًا لكن قلبه يعظم الأسباب، فيشقى بهذا الأمر.

.

الصلاة هي (عادة) فكيف نتعود عليها؟ لقد بدأ هذا الفصل بسرد قصة نجاح معجون الأسنان في الأسواق الأمريكية ثم العالم، وعن أهم عنصرين لتثبيت العادة (المحفز والمكافأة) ثم طبق هذا على الصلاة، فقال أن (السكينة) هي المكافأة، وعن السكينة قال وقال، ولها وصف ووصف، ومن كلام النابلسي اقتبس، فلا تخرج من هذا الفصل إلا وقد تاقت نفسك إلى السكينة، فيخبرك قبل الخروج أن (الخشوع) هو طريقها، فتعلم أين الخلل في صلاتك، وكيف هربت السكينة من حياتك، ثم يعطيك، وأنت في غمرة حيرتك، وصفة عملية سهلة تساعد قلبك على الخشوع.

.

لقد تطرق الكاتب لموضوع الخشوع واقترح (التأني) وهذا هو الباب الذي يجب أن ندلف منه، فأكثرنا يتعجل ويردد الآيات والأذكار دحرجة دحرجة، القراءة المتأنية والهادئة سبيل مهم لتحصيل الخشوع، لكن هنالك أمور أخرى ووسائل يمكن أن تقال في هذا الباب، إلا أن المؤلف لم يتجول كثيرًا في هذا الوادي.

.

في فصل (كن صباحًا) يدخل الكاتب في موضوع آخر هو (البكور)، ويذكر لنا أجزاءً من تجربته الشخصية في المحافظة على الاستيقاظ المبكر، ليس صباحًا بل (فجرًا) أن يبدأ يوم الإنسان من صلاة الفجر ثم يعقب ذلك ساعة يقسمها ثلاثًا (حسب اقتراح المؤلف) فثلث للقرآن وثلث للقراءة وثلث للرياضة، فـ 10 دقائق كل يوم لحفظ 3 آيات تؤدي إلى أن تحفظ المصحف كاملاً في خمس سنوات، لقد تعود المؤلف على البكور وأصبح هذا الأمر أحد أعمدة يومه وحياته، لقد أستفاض في هذا الأمر وتوسع، لأن من يبدأ يومه بشكل صحيح سوف تسير أموره على أفضل ما يكون.

.

من النقاط المهمة التي تطرق إليها الكاتب، تنظيم الوقت وترتيب الحياة بالاستناد إلى مواعيد الصلاة، أي أن تكون هذه المواقيت الثابتة التي أنزلت من لدن حكيم عليم، هي التي تتمحور حولها أعمالنا ومواعيدنا، أن تكون رأسًا وما عداها هامشًا، والوضع عند كثير من الناس هو العكس، فالصلاة دائمًا في الهامش، وبالتالي تفوته مواعيدها القدسية، فيكون من المصلين وما هو من المصلين على الحقيقة.

.

ثم ينتقل إلى ما بعد التجربة، يتوجه لمن يقرر ويعزم ثم يتعثر فتفوته صلاة (أو صلوات) فيُعَنون الفصل التالي بـ (حماقات ارتكبتها) ويسلط الضوء على قوة التعلم من التجارب الفاشلة، يدعونا فيها إلى تحليل ومعالجة الأخطاء التي وقعت من أجل تلافيها في المرات القادمة كي (لا تفوتنا صلاة).

.

أما فصل (لا طاقة لي) فقد تحدث عن فوائد الوضوء والصلاة، فالصلاة تعطي طاقة نواجه بها الحياة، لكنه تحدث عن أمور علمية تجريبية لتأثير الوضوء وفوائد المشي ووضعيات الصلاة وما  تعطيه لنا من (طاقة روحية) وقد ذكر بعض الدراسات والأبحاث وإن كان -من وجهة نظري- يصعب على العلم التجريبي التطرق للأمور (الروحية) أما الجوانب الجسدية فيمكن قياسها، والنفسيه يمكن ملاحظتها، وتبقى الصلاة أكبر من هذا كله، فليست هذه الفوائد إلا جوائز جانبية تعين وتحفز، وهنا أعيب على الكاتب أنه حصر حكمة الوضوع في هذا الجانب المادي، فالحكمة النهائية لا يعلمها إلا الله.

.

فصل آخر بعنوان (واصطبر عليها) والذي ركز على مفهوم مهم يغفل عنه البعض، هو أن الصلاة تُصلِح دنياك وآخرتك، لكن النتائج ليست فورية بالضرورة، نعم هنالك جائزة (السكينة) لكن الجائزة الدنيوية الكبرى لا تحصل على مستوى أيام أو أشهر، وهذا هو تفسيره لكلمة (واصطبر عليها) أي اصطبر على ثمار الصلاة، فسوف تأتي في الدنيا أولاً، وما عند الله خيرٌ وأبقى، لقد تحدث في هذا الفصل عن المثابرة، وقال أن هدف إقامة الصلاة هو (إقامة إنسان).

.

ثم يختم الكتاب بكلامٍ أدبي يخاطب القلب مباشرة، كلام جميل يزيدك حماسًا وحبًا للصلاة.

.

أقول أخيرًا، إن أردتم أن تعرفوا ماذا يمكن للصلاة أن تصنع، فتأملوا مؤلف هذا الكتاب، إن الصلاة هي من صاغته فكتب وأبدع، لقد فتح الله عليه في هذا الكتاب بسبب بركة الصلاة، فالصلاة تصنع الأعاجيب، لكنها ليست صلاة التمارين الرياضية، بل صلاة القرب والخضوع والخشوع، صلاة الفكر والقلب والمشاعر، صلاة الاتصال بالملك الرب الرحيم، سبحانه وبحمده.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب/ قصص من الحياة - علي الطنطاوي

مراجعة كتاب/ أنا قادم أيها الضوء

مراجعة كتاب/ حياة الذاكرين - عمرو خالد