مراجعة كتاب/ مع الناس - علي الطنطاوي
كتاب (مع الناس) للشيخ الأديب (علي الطنطاوي) هو مجموعة مقالات متعلقة بالجانب الاجتماعي وبالعلاقات الإنسانية، فعنوان الكتاب يعبر عن محتواه، فهو مع الناس وإلى الناس، وقد احتوى على مقالات تم نشرها عبر المجلات في الأربعينيات والخمسينيات وكذلك مما تم إذاعته عبر الإذاعات.
معظم المقالات أسلوبها سهلٌ مباشر، فهي إما تعالج قضية اجتماعية أو مسألة تتعلق بالناس وأحوال الناس، فمرة كتب عن الوقت وسرّاقة، ومقالة عن (الشكر العملي) استفتح بها كتابه، وعن مشكلة التجمُّل والتمظهر للناس، وعن الوعود وعن الوظيفة والطلاب وغيرها.
لكن الموضوع الذي تكرر كثيرًا في الكتاب، هو موضوع الشباب والزواج والعفة، فكما يبدو أن الشيخ عاصر الانفتاح الذي أدى إلى تقليد الغرب في الملبس والعادات والتي منها الاختلاط الغير منضبط وجفاف الحياء، ومن المشاكل التي حاول إيجاد الحلول العملية لها مشكلة (تأخر الزواج).
طرحُ الشيخ هو طرحٌ عملي واقعي، يشرح المشكلة ثم يشرع في العلاج عبر خطوات وأمثلة واقتراحات واضحة، لذلك هو أديبٌ مفكر، لأنه يفكر في الحلول بطريقة لا تخلو من الإبداع ويقدمها على طبق الواقعية.
لقد استوقفتني عبارة قالها الشيخ في مقالة (لا تؤجل)، قال أنه يقرأ كل يوم 200 صفحة أو أكثر، وأنه مستمر على ذلك منذ 70 سنة، ملتزم بهذا مهما كان مشغولاً، فتعجبت من همته وحبه للقراءة، وعلمت لما أصبح الأديب الكاتب ذائع الشهرة والصيت، لقد صقلت القراءة موهبته وملأت المطالعة مخزونه الفكري والأدبي، لذلك، فطريق الكتابة والتأليف هو القراءة المكثفة، واختيار الكتب بحرص وعناية، فحتى لو قرأت ألف صفحة في اليوم فلن تتمكن من قطع بحر الكتب الذي ليس له نهاية.
إن هذا الكتاب يفتح شهية القارئ لقراءة كتابه الضخم (ذكريات علي الطنطاوي) وذلك لأنه قد ذكر أحداث ومواقف، وقد علّق عليها حفيدة في الهامش أن الواقعة كذا قد ذكرت بالتفصيل في الجزء (كذا) من كتاب الذكريات، وكذا قد ذُكر في الجزء كذا ..الخ، والشيخ قد عاصر فترة مهمة في تاريخ الأمة، ولعل الكثير من الدروس والعبر يختبئ في ذلك الكتاب ذي الثمان مجلدات.
هذه أفضل المقالات -من وجهة نظري- مع أرقام الصفحات:
(7) أحسن كما أحسن الله إليك
تحدث عن الشكر العملي والذي هو الإنفاق، كلام من القلب مطعم بالتجارب الشخصية، فقد أخبرنا أن الله أكرمه بمن أهداه قطعة أرض، ثم أكرمه بمن تكفل ببناء الأرض وأصبح ساكنًا في منزلٍ جميل دون أن يحمل همه أو يعاني لأجله، ثم يخبرنا بالسر في ذلك، إنه الإنفاق، إنه ينفق الزائد عن حاجته، والمقالة تحفز على البذل والعطاء والإنفاق.
(37) أين أرباب الأقلام
حين زاره شاب من (لحج) ولم يكن قد سمع عن هذه المنطقة من قبل، فانتقد الأقلام العربية التي تكتب عن مدن فرسنا وأودية أوروبا ولا تكتب شيئًا عن المدن والمعالم العربية، ثم ذكر الكثير من المناطق التاريخية أو الطبيعية في العالم العربي التي تستحق أن تدور أقلام الكتّاب حولها، ومقالته هذه لاتزال مهمة حتى اليوم، فنحن بحاجة لأقلام تكتب عن عالنا العربي، عن مدنه وآثاره، عن جباله ووديانه، بحاجة لأدب الرحلات (بالقلم أو الكاميرا) الذي يركز على العالم العربي حتى يعرف الشباب وطنهم الكبير وما يحتويه من كنوز حضارية وجمال أخّاذ.
(51) كل شيء للناس
عن المظاهر التي هي عند الناس أهم شيء، فيغدو التجمل للناس غاية تبذل لأجلها الأوقات والأموال، لقد انطلق من حادثة وقعت له في الشارع، فتحدث عن نفسه ثم انطلق يتحدث عن الناس وعن معاناتهم في التجمل للناس، حتى أصبح (كل شيء للناس) وهي مقالة نافعة مفيدة لكل من يقرأها.
(57) لا تؤجل
بدأ مقالته بعبارة (أنا الآن في ورطة) فهو مطالب بكتابة مقالة وعليه أن يجهز الحقيبة للسفر وأن يعد المحاضرات، يلوم نفسه لأنه يكلف نفسه فوق طاقتها، ولأنه يؤجل الأعمال، ويدخل من هذا المدخل لموضوع التأجيل والمماطلة، والمقالة فيها لمحات من حياة الشيخ علي وبعض النقد الذاتي.
كان يوقظه أبوه لصلاة الفجر ويقول له (لا تتراخ، اقفز قفزًا) وهو يتذكر هذه الكلمات كلما كسل عن صلاة الفجر، فقد أصبحت هذه الكلمات نصيحة تختزن بين حروفها حكمة تصلح لكل مناحي الحياة، وهذه المقالة فيها الكثير من النفع والفائدة.
(75) طريق السعادة
ورد عليه كتاب من موظف يشتكي من أن الذي هو أدنى منه في الخبرة والمهارة يحصل على أجر أكثر منه، فكانت هذه المقالة عن (الحسد) و (الرضى)، ذكر لنا فيها تجربة شخصية مشابهة وكيف أن الإيمان الحقيقي هو الدواء الناجع، فالله هو الذي قسّم الأرزاق، هو يقبض ويبسط بحكمته ورحمته، وهكذا يستمر في عرض هذا الموضوع عرضًا من أروع ما يكون، فتحدث عن التوكل الحقيقي والثقة في الله وعن عدم التهاون في الأسباب، لقد كانت المقالة عن (فلسفة الرزق).
(85) لصوص الوقت
من المقالات الطريفة المفيدة، بدأها بموقف عكّر مزاجه وحفّز قلمه، ثم تحدث عن مواقف كثيرة تدور حول (تضييع الوقت)،وسوف يجد القارئ فيها الكثير مما يحصل له في حياته بسبب الآخرين، والمشكلة أن قيمة الوقت تختلف من شخص لآخر، وبسبب هذا التباين تحدث المشاكل.
(97) الوعد الشرقي
هي أيضًا مقالة ساخرة تهكمية، تضحك منها أو تبتسم على الأقل، ينتقد فيها عادة (تضييع المواعيد) أو التساهل فيها، يبدأها بقصة شخصية كانت سبب استفزازه ثم كتابته.
(105) شغّلوا الطلاب في عطلة الصيف
(243) الطلاب والعطلة
مقالتان حول نفس الموضوع، الأولى موجهة لصنّاع القرار والثانية للآباء والأمهات، يطرح فيهما حلولاً عملية لمشكلة واحدة، الأولى من زاوية عامة (أعمال جماعية يقوم بها الطلاب تفيد الوطن) والثانية للمشكلة من زاوية فردية (نصائح للآباء لتوجيه أولادهم في الأجازة)، وهذا الموضوع مهم من وجهة نظري في هذا العصر، لأننا بحاجة إلى نهضة، ولدينا شباب وطاقات مهدرة، ويمكن ببعض الأفكار الإبداعي صنع المعجزات عبر استغلال طاقات الشباب وأوقاتهم في فترة العطلات.
(111) مشكلة الزواج
أحد المقالات العديدة في الكتاب التي تتطرق لهذا الموضوع المحوري، حتى عندما يتحدث عن العفة فإنه يعود بالموضوع إلى الحل الأهم والأول (الزواج)، وقد ذكر في هذه المقالة مشكلة تأخر الزواج ووضع الأسباب بشكل تحليلي واقعي، ثم وضع الحلول والاقتراحات.
وقد ذكر أن أحد أسباب تأخر الزواج هو (نظام التعليم) وفعلاً عند التفكر في الأمر، نجد أننا استوردنا نظام التعليم معلبًا جاهزًا منذ عشرات السنين دون أن نغير فيه أو نبدل، ربما غيرنا في المناهج وبعض الجزئيات لكننا لم نبدع ونطور من النظام نفسه، نظام الـ 12 سنة الذي يأخذ من حياة الشاب والشابة الكثير، ثم سنوات عديدة حتى يصبح مؤهلا أن يعمل ويكسب قوته، ثم سنوات حتى يؤمن له مسكنًا، وهكذا يتأخر الزواج بشكل إجباري، والكاتب يسلط الضوء على أهم سبب لمشكلة تأخر الزواج، وعلينا في هذا العصر أن نعيد التفكير في نظام التعليم وخاصة بعد أن أصبحت المعلومات متوفرة والتخصصات متعددة، وهذا الأمر يحتاج لدراسات وأبحاث وحلول وأفكار.
(153) إلى الطلاب
هي من المقالات الجميلة التي قرأتها وأنا أرافق ابني الذي يؤدي الاختبارات النهائية، مقالة عن المذاكرة، وقد أعجبت بما فيها من نصائح عملية، وكأنها من شخص تربوي خبير، وبالفعل فالكاتب هو تربويٌ مخضرم، أليس قد قضى سنوات طويلة في حقل التدريس وفي ردهات المدارس، وما أن قرأت تلك المقالة حتى دفعتها لابني ليقرأها وليبدأ بتطبيق بعض التوجيهات العملية لتحصيل أكبر قدر من الفائدة في أيام الاختبارات التي يمر بها.
(169) نساؤنا ونساء الإفرنج
يرد فيها على رسالة وصلته من امرأة ذكرت فيها (وانظر إلى ضيق الحياة التي تحياها المرأة العربية وسعة حياة المرأة الغربية، وقيد هذه وحرية تلك)، هي مقالة عن النسوية، عن المرأة في الغرب ولمحات مما تعانيه، وعن عزة المرأة المسلمة ونعمة العفة والحياء والحشمة، وقد ذكر قصة عن مصدر موثوق عن فتاة غربية انفصلت عن أسرتها، ثم عادت لتستأجر غرفة عندهم فرفضوا لأنها لم تدفع كما يدفع الناس، فخرجت والدموع في عينيها (إنها المادية البغيضة في أبشع صورها).
(267) مجنون
من المقالات الأدبية الجميلة، يتحدث عن شخص ثري يغير مسكنه وأسلوب حياته كل شهر، ولا ندري هل هذا الشخص حقيقي أو من نسج خيال الكاتب، لكن المقالة تدور حول العادة والتغيير، عن متعة التجربة ولذة التبديل، عن الملل والسأم وبعض النصائح العملية لإحداث التجديد في حيواتنا.
(283) إلى لبنان
لقد شوقتني هذه المقالة لزيارة لبنان، فيها وصف لرحلته مع بعض الأصدقاء ومروره ببعض مناطق لبنان، وقد استقر بهم المقام في بلدة (صوفر) وبعد أن قرأت جمالها في وصفه؛ توجهت للعم قوقل ليسعفني ببعض الصور عنها، فوجدتها فعلاً خضراء جميلة، تتلون مع فصول السنة، وتقبع شامخة في أعالي الجبال، هذا فيديو جميل لها:
https://www.youtube.com/watch?v=8MJ8uZoAqpc
هذه كانت رحلتي مع كتاب (مع الناس)

تعليقات
إرسال تعليق