مراجعة رواية/ لاعب الشطرنج

(لاعب الشطرنج) قصة طويلة أو رواية قصيرة، مسبوكة البنيان محبوكة الأحداث، فكرتها عبقرية وسردها ممتع، قرأتها بناءً على توصية أحد المعجبين بأعمال (ستيفان زفايغ)، فقد قال أنها أفضل أعماله، وفيها تظهر براعته، وقد قرأتها فكانت عند الظن بل أكثر.

تدور القصة حول لاعب شطرنج، لا بل لا عبين، اكتسبا الموهبة بطرق غريبة، وجمعتهما المصادفة في قارب واحد، وخلف كل واحد منهما قصة وأحداث، يسردها القاص بطريقة مشوقة بعيدة عن التكلف أو الإطالة، فالتميز هو في الحبكة لا في السرد، حبكة غريبة مصقولة بطريقة واقعية جدًا، لا تجد أن تسأل نفسك عند نهايتها؛ هل يمكن أن يحدث هذا فعلاً.

تتطرق الرواية لموضوع الأقدار التي تأتي بنتائج غير متوقعة، الأحداث السيئة التي تصنع النهايات الجيدة، عن عجائبية الإنسان وقدرة العقل وتعرجات النفس، وعن الحدود القصوى التي قد يتحملها الفرد وطاقته التي تتفجر في ظروف صعبة، عن الحرب النفسية والاعتقال والاستجواب، وكل هذه مواضيع فرعية لا تتعلق بالفكرة الرئيسية، لكنها أتت عرضًا وكان لها دورًا.

تتحرك الأحداث كعجلةٍ تسير في أرض منبسطة، ما تبلث هذه الأرض أن تصبح منحدرة شيئًا فشيئًا، فالوصف غزير في البداية والوتيرة بطيئة، لكن ما تلبث الأحداث أن تتسارع والخيوط أن تترابط، وكلما اقتربت من النهاية اشتد تركيزك وزاد شوقك لمعرفة الخاتمة، ثم تأتي الخاتمة التي تكاد لا ترضيك إلا أن انعطافًا أخيرًا يلبي طموحك فتطيب لها نفسك، وتخرج منها مُعجبًا متعجبًا.

عجيب هذا الإنسان، كيف يستطيع التكيف وإلى أي مدى يمكنه التحمل، عجيب عقله وقدراته التي تتحول إلى خارقة عند الضغط، ومن أين تأتي تلك المواهب الفريدة والعبقريات العجيبة لبعض البشر، إنه الإنسان الكائن العجيب الذي يصنع العجائب، ثم ما هذا الظلم والقهر، ما هذه الألوان النفسيه من العذاب التي اخترعها البشر، لقد تضمنت القصة بعض المشاهد للتعذيب النفسي كونها من الأحداث التي صنعت مسار القصة، لكن يبدو أن المؤلف تعمد أن يوصل رسالة من وراء ذلك، أن يقول كلمة عن كرامة الإنسان والرحمة المفقودة في قلوب بعض البشر.

هذه هي تجربتي الأولى لأعمال (ستيفان) ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، فقد كان الكتاب فاتحة شهية لبقية أطباق المائدة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب/ قصص من الحياة - علي الطنطاوي

مراجعة كتاب/ أنا قادم أيها الضوء

مراجعة كتاب/ حياة الذاكرين - عمرو خالد