مراجعة كتاب/ شروط النهضة

هنالك الكثير من المشاكل (أو التحديات) التي يواجهها الإنسان في حياته، مشاكل شخصية وأخرى مجتمعية، لكن هنالك أيضا (مشاكل أممية)، تلك التي تواجهها الأمة، وهذه يتصدى لها المفكرون الكبار كما يساهم في حلها القادة العظام، أولئك الذين سَمَت هممهم عن كل وضيع فأرادوا معالي الأمور واللحاق بصفوة القوم.

وليست الفرصة سانحة لكل شخص أن يكون قائدًا عظيمًا يقود شعبه نحو المجد، لكن الفرصة متاحة لكل إنسان أن يتعالى بفكره عن سفافس الأمور ويولي وجهه شطر الدار الآخرة، فيسعى بعقله لنهضة أمته ويساهم بفكره في سعادة البشرية، إن الخيار متاح لكل واحد فينا، أيكون إنسانًا عاديا يسعى بعد رزقه ويقضي في اللهو يومه، أو يكون حجرًا أو عمودًا في نهضة وتقدم البشرية.

ولعل مالك بن نبي كان أحد أولئك

الكلام العام متوفر وكثير، لكن ما نحن بحاجة إليه هو التحليل والتشريح لأصل المشكلة، ثم اقتراح الحلول العملية الواقعية، وقد ساهم مالك بن نبي في اقتراح الحل لأحد أكبر مشاكل الأمة الإسلامية في العصر الحديث، إنها مشكلة الحضارة، لذلك أصدر كتابه (شروط النهضة) الذي يتناول موضوع (النهضة) تلك الكلمة المصمتة التي يصعب على غير الخبير تفكيك أضلاعها أو إيجاد منافذ الدخول إليها، لكن مالك قد حاول تشريحها وسهل الطريق لمن يأتي من بعده.

الطبعة التي قرأتها هي التي قدم لها (محمد همام) وقد احتوت على مقدمة طويلة تعطي تعريفا بالكاتب وحياته وأهم أفكاره، ثم تلخيصًا لأهم أفكار هذا الكتاب، وقد احتلت أكثر من 80 صفحة في بداية الكتاب.

لعل القارئ يلحظ في الفصول الأولى تركيزًا على الوضع الجزائري في تلك الفترة (النصف الأول من القرن العشرين) وعلى مشكلة الاستعمار الفرنسي، ويظهر بوضوح استياء الكاتب من الوضع الذي آلت إليه الأمر، وقد انتقل الكاتب في الباب الثاني -الذي عنونه بـ(المستقبل)- إلى سرد الحل.

وضع المؤلف معادلة للنهضة، وهي (إنسان + تراب + وقت) فكانت الفصول التالية شرحًا وتوضحيًا لهذه المعادلة، فبدأ بالإنسان، وناقش فكرة (التوجيه) وأفرد صفحات عديدة لكل نوع من أنواع التوجيه (توجيه الثقافة - توجيه الأخلاق - التوجيه الجمالي) ثم تحدث عن المنطق العملي والصناعة، وأكمل (توجيه العمل - توجيه رأس المال) وقد تحدث وأفاض في مسألة رأس المال والفرق بينه وبين الثروة، ثم تحدث عن المرأة والزي والفنون الجميلة.

وفي العنصر الثاني للمعادلة تحدث عن (التراب) وسلط الضوء على مشكلة التصحر وضعف الزراعة في دول شمال أفريقيا، وأخيرًا تحدث عن العنصر الثالث في المعادلة (الوقت)، وقد احتل العنصر الأول (الإنسان) معظم مساحة الكتاب على حساب العنصرين الآخرين.

أما الفصول الأخيرة فقد كانت عن الاستعمار،  وعن المعامل الاستعماري، وفي توضيح لفكرة محورية هي أن الشعب قبل أن يحتله المستعمر يكون أصلا (قابلا للاستعمار) وأن طريق التخلص من المستعمر هو أولا بالتخلص من تلك القابلية، أي بالنهضة الحقيقية.

لعل الكتاب التالي الذي أنصح به نفسي (والقارئ) هو (الظاهرة القرآنية) حيث تمت الإشارة إليه داخل الكتاب ويظهر أنه من الكتب المهمة ويحمل في طياته فائدة كبيرة.

هذه اقتباسات من أفضل ما كتب من وجهة نظري:

https://drive.google.com/drive/folders/11ywoeLEbrZYY20uXNVfg2b7O_OQjK_Sv?usp=share_link




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة كتاب/ قصص من الحياة - علي الطنطاوي

مراجعة كتاب/ أنا قادم أيها الضوء

مراجعة كتاب/ حياة الذاكرين - عمرو خالد