مراجعة كتاب الشمس المنتصرة
رحلة ماتعة ثرية طويلة قضيتها على متن هذا الكتاب الرائع، إنه كتاب (الشمس المنتصرة) وهو دراسة عميقة شاملة لأعمال مولانا جلال الدين الرومي، أفكاره والصور المجازية في شعره، أما المؤلف، فهي امرأة ألمانية، كرست حياتها العلمية للتعمق في فهم الإسلام والتصوف، وأحبت جلال الدين الرومي حبًا تجاوز حاجز الدين والزمن، فكان نتاج حياتها هذا الكتاب الثري، إنها (آنماريا شيمل)، أو (آنا ماري شيمل)
كنت أتعجب وأنا أقرأ صفحات الكتاب وأقول، كيف وصلت لهذا العمق والتبحر في الإسلام وفي التصوف والعرفان وهي غير مسلمة، أم كيف لها بعد أن تصل إلى هذا الفهم أن تبقى غير مسلمة، ثم بعد البحث قرأت نقلاً عن (عبد الرحيم كواهي) والذي ترجم لها ثلاثة كتب، أنها توفت وهي مسلمة، لكنها لم تعلن إسلامها.
قيل عنها أنها من أفضل من عرض وأنصف الإسلام للقارئ الغربي، لقد ألّفت ونشرت عشرات الكتب والدراسات حول الإسلام باللغة الانجليزية والفرنسية، كانت تتقن عدة لغات وهذا مكنها من دراسات الكثير من النصوص والآثار والرجوع للمراجع القديمة للوصول إلى كبد الحقيقة، كانت تجيد الفارسية والتركية والاوردية والعربية.
لنتحدث عن هذا الكتاب...
كتاب ضخم، مكون من 800 صفحة، لكن عدد الصفحات بدون الحواشي والتعليقات هو 640 صفحة فقط، الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، (1) الصور المجازية عند الرومي (2) المباحث الإلهية عند الرومي، (3) تأثير مولانا جلال الدين في الشرق والغرب.
تعبت من قراءة الجزء الأول، لأن التفصيل المبالغ فيه للصور المجازية لم يرُق لي، أفضّل أن اكتشف تلك الصور من قرائتي لشعر الرومي (وأهم كتبه هو: المثنوي المعنوي)، لكن مع ذلك هذا الفصل فيه فوائد عديدة، كأنه ملخص مكتوب بلغة سلسلة سهلة لما في المثنوي من معاني وتشبيهات.
الجزء الثاني كان جميلا، وأجمل ما فيه فصلٌ بعنوان (قصة حبّات الحمّص) ومن جمال هذا الفصل تمنيت لو ألقيه بصوتي وأنشره ليصل لأصحاب البلاء والحزن، هذا الفصل هو عزاءٌ جميلٌ لهم.
أما الجزء الأخير فهو عن تأثير جلال الدين في الشرق والغرب، ولم أفاجأ حين عرفت أن تأثير الرومي ضعيف في العالم العربي، بل لا يكاد يعرف لدى العامة (مؤخرًا بدأ صيته ينتشر) أما في بلاد إيران وتركيا فصيته ذائع، وفي الغرب له صيت كبير وشعبية واسعة، ذلك لأن العديد من نصوصه الجميلة قد ترجمت من قبل أدباء ومفكرين إلى العديد من اللغات الأوربية، فعرفوه قبل أن نعرفه، وتذوقوا جمال شعره قبل أن نتذوقه.
أما جلال الدين الرومي، فهو عارفٌ ذاب قلبه في عشق ربه، شعره عميق لكن سهل التناول، اجتمع بتوأم روحه (شمس الدين) فانقلبت حياته، فسال الشعر من فمه بدون جهد منه، وخلّف لنا هذا الكتاب العظيم الذي يكنتز الكثير من الحكمة والعرفان (كتاب المثنوي المعنوي)، وقد تحدثت المؤلفة عن جهود ترجمته ومكانته عند الشعوب وبين اللغات.
المثنوي يحتوي على أكثر من 25 ألف بيت شعري من النظم المزدوج، أي أن كل بيت له قافيته الخاصة به، تتوزع هذه الأبيات على ستة أجزاء، ويحتوي على أكثر من 400 قصة رمزية، كل قصة لها ما لها من دلالات وإشارات عرفانية.
هذه بعض الاقتباسات التي أعجبتني:
https://drive.google.com/drive/folders/1Dz3yQwbBE7bKeTqlZWeBsUfb-4tY2O5N?usp=sharing
تعليقات
إرسال تعليق