مراجعات عمر للكتب

 كتاب لطيف بدأت به أولى مؤلفات الأديب (يحي حقي)، ذكره عبدالوهاب مطاوع في كتابة (عاشوا في خيالي) وأشار لمقالة فيه تحدث فيها المؤلف عن موقف حصل له مع بيرم التونسي. الكتاب ذكريات ومذكرات، خواطر وأحداث، إلا أن الجزء المفضل كان في آخر الكتاب، فقد كتب فيه المؤلف ملخصًا مختصرًا عن حياته، وعن مسيرته الأدبية وأهم مؤلفاته، والكتاب مدخل جميل للتعرف على هذا الكاتب، ورحلة تاريخية مرتبطة بالمكان والإنسان. المقالات الأولى عن ذكريات طفولته، عن شقشقة الصبح وأحلام الطفولة، ثم في منتصف الكتاب ذكرياته عن أيام عمله في القنصلية المصرية في الحجاز (السعودية) وفيها الكثير مما يُحكى ويقال، وتحدث بشكل مطول في أكثر من مقالة عن الحاج عبدالله فيلبي، البريطاني الذي أعلن إسلامه، وعن مخططاته وتحركاته وذكائه، وعن الاستعمار البريطاني ولمحة عن الوضع العربي آن ذاك، تحدث عن بعض المواقف مع الموسيقى والغناء في تلك الفترة التي تم تجريم الغناء بسبب الحركة الوهابية آنذاك، مواقف طريفة وتعليقات لطيفة. من المقالات الساخرة التي تترك ابتسامة على شفتيك (ورق ورق ورق). لقد افتتن المؤلف بـ (تاريخ الجبرتي) ووصفه بأنه نقل واقع الحياة ...

 جميلة هي كتب عبدالوهاب مطاوع، خفيفة لا تتطلب قدر عالي من التركيز أو ظروفًا خاصة لأجل الاستيعاب، وقد أعجنبي هذا الكتاب لأنه عرفني على كتب أخرى، فقد قمت بسببه بقراءة كتابين اثنين وتعرفت على الكاتب الأديب (يحي حقي) بسببه، والكتاب هو مقالات منفصلة تدور حول كتب أو أفلام أو قصص، وذلك مما عشعش في خيال الكاتب، والمقالات هي كالتالي: (1) مقالة عن فلم فورست قمب Forrest Gump، وقد لخص الكاتب الفلم في عدة صفحات، لكني كنت قد رأيت الفلم فلم أستمتع كثيرا بالمقالة، كذلك هي لمن لم يشاهد الفلم حرقًا وتضييعًا للمتعة، لكن هذه هي عادة المؤلف حين يحب قصة أو فلم؛ يفردها لك بكلماته ثم يضيف عليها بعض التوابل من آرائه ونقده. لكن المؤلف قد لفت نظري لمشهد في الفلم ودلالته العميقة، وهو مشهد الريشة التي ظهرت في أول الفلم وكانت تتقاذفها الرياح يمنة ويسرة، فقال أن هذا تعبيرٌ عن الحياة والأقدار، فالإنسان كالريشة في مهب القدر، تتقاذفه الأقدار والأحداث، صحيح أنه يحاول تحديد وجهته أو (كما يقولون) يصنع قدره، لكن في نهاية الأمر (الله غالب على أمره)، والفلم يدور حول هذه القضية، كيف أن الإنسان الذي يريد أن يصل قد لا يصل، ...

 استوقفتني العديد من المشاهد والذكريات مما سرده الأديب المازني في مذكراته هذه، منها قصة أخو جدته (في الصفحة 42) الذي كان يمشي دائمًا ولا يركب، وكان عارفًا بالله وأبوه أعرف منه، وحين كان عندهم انتفض فجأة وقال أن أباه يناديه، فرحل مسافرا إليه، وفي الجهة الأخرى كان الأب في ساعاته الأخيرة، فانتفض جالسا وصاح باسم ابنه، فوقع الصوت في قلب الابن على بعد مئات الكيلومترات، وهذه شهادة من شخص محايد لبعض الكرامات التي تحصل لأولياء الله الصالحين. تحدث المازني عن طفولته، عن أبيه وأمه وجدته، عن منزله وقصص الطفولة والشباب، وهو يسرد فلا تمل من سرده، ويتنقل بين المواضيع بخفة ورشاقة، يحكي لك الأحداث فإن أحس بالملل يدب فيك سارع بإلقاء نكتة طريفة أو عبرة لطيفة، وكلها مما تجود به ذاكرته من أحداث حياته. الكتاب قصة حياة وهو شهادة لواقع عالَم قد انقضى، الحياة والناس والمكان، نُبذٌ متفرقة بين السطور والصفحات. يتضح من هذه الذكريات أن الشاب ابراهيم كان تواقًا مشاغبًا، وكانت له قصص ومغامرات غرامية كثيرة، أما أبوه فقد كان رجل شرقي نمطي، تزوج عدة مرات وكانت نهايته على يد الأخيرة، وكانت الأسرة في رغد إلى أن توفى ا...

 دخلت -وأعلم أني تأخرت- على الشيخ المفكر محمد الغزالي من باب هذا الكتاب، وأعتقد أني أحسنت اختيار الباب، إذ سمح لي الكتاب باستكشاف أجزاء من فكر هذه العقل الكبير، وبعض ملامح رسالته، وهنالك دلائل على أن تأليف الكتاب تم في الفترة الأخيرة من حياته، والكتب التي ينتجها المؤلف في آخر حياته هي الأنضج والأصوب. . دعوني أولاً أشارك معكم هذه الفقرة التي استهل بها المؤلف كتابه، حتى تتذوقوا معي جمال العبارة وقوة الكلمة وهو يتحدث عن القرآن الكريم: " الثقة في هذا الكتاب وحده، الذي لم ترقَ إليه شبهة، والذي لم يختلط فيه الوحي الأعلى بفكر بشر، والذي جمع ما تفرق في رسالات الأنبياء الأقدمين، فهو كتاب الأزل والأبد، كتاب استوعب هدايات موسى وعيسى ومحمد، وتضمن من الوصايا ما يضبط سير البشر، ويستبقهم على صراط مستقيم" . إنه كتاب (المحاور الخمسة للقرآن الكريم) أي أنه عن القرآن الكريم، دراسة وتحليل وغور للأسرار، أستعراض شامل وعام وتقسيم موضوعي، إلا أن الكاتب قد تبحر في القول وتشعبت ميادينه، فكأنه كتاب لنقد واقع المسلمين، بل كأنه كتاب لتحليل التاريخ الإسلامي وإظهار مكامن الخلل، بل هو كتابٌ لفهم الدين من جدي...

إن كلام الرافعي في كتاب اعجاز القرآن هو كلامٌ أدبي قبل أن يكون علمي، أي أنه يغلف الفكرة والمعلومة بطبقة سميكة من أسلوب الأدب الرفيع، وقد كان يمكن اختصاره لأقل من هذا بكثير، وكان يمكن إيراده بأسلوب أسهل في القراءة وأيسر على القارئ، من يعيش في زمن الانحطاط والتبعية، لكنه لم يفعل، فقد آثر أن يكتبه بلغة عالية فيها وعورة، ويستخدم كلماتٍ سامية فيها صعوبة، وقد يكون هذا أحد أسباب عدم انتشار كتابه هذا.

 قصة طويلة أو رواية قصيرة، منها بدأت مشواري مع دوستوفسكي، كي أستكشف عوالمه الداخلية، فبدا لي واسع الخيال، مليئ بالرمزية، يعتريه بعض الغموض، وهذه القصة لها مغزى يتوارى خلف المشاهد السريالية، قيمة يدعو إليها وأخلاق ينشدها، إنه يتحدث عن السعادة والشقاء، عن المدينة الفاضلة والسعادة الملطقة، عن عالم يتوارا خلف الخيال، وعن العالم الكئيب المبتلى بالإنسان. . إنها حكاية رجل يقرر الانتحار، ثم يكتشف أن ثمة شيء بعد، أن هنالك عالم يتوارى عن الأنظار، فلا نعلم هل هو عالم البرزخ أم عالم مثالي آخر في كون أو بُعد آخر، أم مجرد حلم، المهم أنه عالم مختلف، وفيه يحاول الكاتب رسم الصورة المثالية التي يتمناها، كيف يعيش الناس في سلام ووئام، لكن ماذا يحدث بعد ذلك، وكيف يساهم هذا الضيف في تغيير الأمور، وهل تغيرت إلى الأحسن أم الأسوأ، هذا ما تحتويه تفاصيل الحكاية. . الأغلب أن بطل القصة قد عاش ما يسمى بـ (تجربة الاقتراب من الموت) والذي هو موت قصير للجسد، ورحلة للنفس في عالم ما بعد الموت، وفيها تتبدى الحقائق وتتغير القناعات، لكن الكاتب لا يحاول تصوير الحياة البعدية (التي لا نعلمها) بل يصنعها، يحاول خلق عالم آخر ...